نقلا عن مدونة الصديق و الزميل لو كويت اضغط هنا
كثر الحديث بين الكثير من الشباب في تويتر و المدونات عن مطالب الحركات الشبابية الداعيه الى – رئيس جديد, حكومة جديدة, نهج جديد. و قد تركزت التساؤلات المشروعه عن مدى دستورية هذة المطالب و خصوصاً المطلب الاول (رئيس وزراء جديد).
في البداية لا اخفيكم سعادتي الشخصية لهذا النقاش الدستوري بيننا كشباب, فبرأيي و رغم بعض اختلافاتنا الا ان نتاج هذا النقاش او الجدل الدستوري يقومنا جميعاً و يصوب آراءنا.
اسمحولي ان انقل لكم رأيي المتواضع ببعض ما يثار من تساؤلات و لكن انوه انني لست خبيرا دستوريا وأن رأيي هو اجتهاد متواضع مني و محاوله لنقل اعتقادي حسب فهمي الشخصي.
لقد ذكر البعض ان المطالبة بتغيير رئيس الوزراء وتنحيه هو تعدي على صلاحيات صاحب السمو الامير حيث ان تعيين رئيس مجلس الوزراء وإعفائه من منصبه هو حق أصيل لصاحب السمو الامير كما جاء بنص المادة 56 من أنه:
"يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء, بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه..."
و هذه المادة لا تحتاج الى تفسير إضافي , ولكن المادة أعلاه لا تمنع "المطالبه" او "المناداه" بتغيير رئيس مجلس الوزراء و إعفائه من منصبه. فالأصل أن هذا الأمر مباح ما لم يوجد نص قانوني صريح يمنع مثل هذا الأمر, وبما أن المادة 56 لم تمنع او تجرم المطالبه او المناداة بتغيير رئيس مجلس الوزراء وإعفائه من منصبه فإن الأصل هو جواز هذا الأمر. وإضافة إلى ذلك فإن المطالبة بالتغيير والإعفاء من المنصب هي في حقيقتها مناشدة لصاحب السمو أمير البلاد الذي هو في نهاية الأمر صاحب الاختصاص بالأخذ بهذه المطالبة والمناداة أو عدم الأخذ بها.
كما أن هذه المطالبة والمناداة إنما تأتي في إطار حقنا الدستوري في حرية التعبير وإبداء الرأي حول رضانا أو عدم رضانا في أداء الحكومة الحالية, وفي ذلك تنص المادة 36 من الدستور على أنه:
"حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة, ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما"
ثانيا: ذكر البعض أن الاعتصام أو التجمهر غير جائز في ظل وجود مجلس الامة و نواب منتخبين يمثلون الامة, و ان التعبير عن الرأي في مثل هذه المسائل السياسية يجب أن يكون تحت قبة البرلمان من خلال هؤلاء النواب. ومع احترامي لهذا الرأي إلا أنني اعتقد أن وجود البرلمان لا يلغي دور الشعب و وجود النائب لا يلغي دور الرأي العام. فالمادة 36 تنص على "... و لكل انسان حق التعبير عن رأيه و نشره بالقول او الكتابه او غيرهما" و كلمة "غيرهما" هنا تعني جميع ما اباحه الدستور كحق الاجتماع او التجمع على سبيل المثال لا الحصر. كما تعني هذه الكلمة ايضاً اي تطور مستقبلي اخر كتويتر او فيس بوك (فهما ادوات لنشر الرأي أيضا). كما شددت المذكره التفسيرية للدستور التي أوضحت في أكثر من مناسبة أهمية التفرقة بين مجلس الامة و الرأي العام (اي الشعب), فلا المجلس أو نوابه يلغون دور الرأي العام و لا الرأي العام يلغي دور المجلس أو دور نوابه.
ويكفي أن نشير هنا إلى مثال واحد لمثل هذه العبارات الواردة في المذكرة التفسيرية والتي أكدت على أهمية الرأي العام كجزء أصيل من العملية السياسية, حيث قالت:
"كما أن تجريح الوزير، او رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة او عدم التعاون ، كفيل باحراجه والدفع به الى الاستقالة، اذا ما استند هذا التجريح الى حقائق دامغة واسباب قوية تتردد اصداؤها في الرأي العام. كما ان هذه الاصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار حول الوزير او رئيس مجلس الوزراء، ولو لم تتحقق في مجلس الامة الاغلبية الكبيرة اللازمة لاصدار قرار - بعدم الثقة- او - بعدم التعاون -."
فالواضح من هذا النص ان المشرع فرق بين المجلس و الرأي العام (دون الغاء للاخر), فجعل حق الاستجواب و عدم منح الثقة و عدم التعاون من اختصاص المجلس, كما جعل تردد الاصداء القوية من "الرأي العام" كفيله باحراج وزير او رئيس الوزراء و دفعه للاستقالة.
ثالثا: يشير البعض إلى أن المجلس قام بدوره بالاستجواب (المقدم الى رئيس الوزراء) و لم يحظى الطلب بعدم التعاون الذي تبع هذا الاستجواب على الأغلبية النيابية اللازمة ومن ثم يكون بقاء رئيس مجلس الوزراء في منصبه قد حسم من خلال هذه العملية الديمقراطية. وبالرغم من وجاهة هذا الادعاء فإننا لا يمكن أن نتجاوز نص المذكرة التفسيرية للدستور اعلاه حين بينت بكل وضوح ان "اصداء الرأي العام" ستكون تحت نظر رئيس الدولة (اي صاحب السمو الامير) حتى لو لم تتحقق الاغلبية الكبيرة اللازمه لاصدار قرار عدم التعاون.
كما زادت المذكرة التفسيرية للدستور التوضيح على دور الرأي العام من خلال هذة الفقرة:
"كما ان شعور الرجل السياسي الحديث بالمسئولية الشعبية والبرلمانية، وحسه المرهف من الناحية الادبية لكل نقد او تجريح، قد حملا الوزير البرلماني على التعجيل بالتخلي عن منصبه اذا ما لاح له انه فاقد ثقة الامة او ممثليها"
فكما هو واضح جعل المشرع الدستوري الرجل السياسي مسؤول أمام الشعب أولا ثم البرلمان, اي ان رئيس الوزراء او الوزراء مسؤولين امام الشعب ايضاً (بالاضافه الى مسؤليته امام صاحب السمو الامير و المجلس كما نصت المواد 55, 58, 98, 99, 100, 101, 102 ). واوضحت المذكرة التفسيرية انه على الوزير او رئيس الوزراء التخلي عن منصبه اذا تبين له فقدان "ثقة الامة" او ممثلين الامة, اي لم يحصر فقدان الثقة بالمجلس فقط بل زاد عليها فقدان ثقة الامة (اي الشعب) بالوزير او رئيس الوزراء.
و من اهم فقرات المذكرة التفسيرية للدستور و التي تلخص الكثير من دور الشعب و اهمية و ضرورة الرأي العام هي التالية:
"ومن وراء التنظيم الدستوري لمسئولية الوزراء السياسية ، توجد كذلكوبصفة خاصة رقابة الرأي العام التي لا شك في أن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها ، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم. وهذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية، فتكفل لهم -الى جانب حق الانتخاب السياسي - مختلف مقومات الحرية الشخصية ( في المواد 30 و 31 و 32 و 33 و 34 من الدستور) وحرية العقيدة (المادة 35) ، وحرية الرأي (المادة 36) وحرية الصحافة والطباعة والنشر (المادة 37) ، وحرية المراسلة (المادة 39)، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43)، وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44)، وحق تقديم العرائض الى السلطات العامة (المادة 45). وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتما الوعي السياسي ويقوى الرأي العام ، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية ، تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته ، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية ، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة، وهو ما اشتهر به النظام الرياسي في بعض دول اميركا اللاتينية، وما حرص الدستور على تجنبه وتجنيب الكويت اسبابه."
و ختاماً, يبقى ان اضيف الفقرة التالية من المذكرة التفسيرية للدستور و التي برأيي تتكون معها الاستثنائية الكويتية و روعة العلاقه بين الشعب و حكامه و جمال تلك العقول التي صاغت دستور كويتنا الغالية:
"امتثالا لقوله تعالى- وشاورهم في الامر-، واستشرافا لمكانة من كرمهم في كتابه العزيز بقوله - وأمرهم شورى بينهم -، وتأسيا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في المشورة والعدل، ومتابعة لركب تراثنا الاسلامي في بناء المجتمع وارساء قواعد الحكم، وبرغبة واعية في الاستجابة لسنة التطور والافادة من مستحدثات الفكر الانساني وعظات التجارب الدستورية في الدول الاخرى. بهدى ذلك كله، وبوحي هذه المعاني جميعا، وضع دستور دولة الكويت.
ولقد تلاقت هذه الاضواء وتلك المعاني المتكاملة عند أصل جوهري في بناء العهد الجديد، قام بمثابة العمود الفقري لهذا الدستور، وهو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره . فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الاسرة تربط بينهم كافة، حكاما ومحكومين. ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الاصالة العربية، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الاخرى من اوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم. ومن هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على ان يظل رئيس الدولة ابا لأبناء هذا الوطن جميعا، فنص ابتداء على ان عرش الامارة وراثي في اسرة المغفور له مبارك الصباح (مادة 4)، ثم نأى بالامير عن أي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس (مادة 54) كما ابعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على ان رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه(مادة 55) وهم المسؤولون عن الحكم امامه (مادة58) وامام مجلس الامة (المادتان 101 و 102)."
قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" صدق الله العظيم
اخوكم: خالد سند الفضالة
* كل الشكر و التقدير الى مدونة لوكويت على نشرها لهذا الرأي مع تأكيدي عدم تحملها او صاحبها اي مسؤولية لما ورد بهذا الرأي.